إعداد: محمد سليمان – 5 أكتوبر 2025
تشير الزيارة المتزامنة لوفدَي حماس وإسرائيل إلى مصر إلى مرحلة جديدة من التفاعلات السياسية التي تحاول إعادة ضبط مسار الحرب في غزة، في ضوء خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تُقدَّم على أنها الإطار الأوسع لإنهاء النزاع.
فقد كان وصول وفد حماس برئاسة خليل الحية إلى القاهرة، بعد أسابيع من محاولة استهدافه في الدوحة، يتجاوز في رمزيته مجرد استئناف الاتصالات، إذ يعكس استعدادًا براغماتيًا لإعادة الانخراط في مسار تفاوضي رغم الجراح الميدانية والانقسامات السياسية.
ومع ذلك، فإن إرسال مكتب نتنياهو وفدًا إلى شرم الشيخ قد يشير إلى إدراك إسرائيلي بأن إدارة الصراع لم تعد ممكنة عبر الأدوات العسكرية وحدها، وأن الضغوط الأمريكية والدولية تفرض البحث في تسوية قابلة للتسويق السياسي، ولو مرحليًا.

يبدو واضحًا أن واشنطن تحاول إعادة التموضع في قلب المشهد؛ إذ أن تصريحات ترامب التي عبّر فيها عن تفاؤله بإمكانية إنجاز المرحلة الأولى من خطته خلال الأسبوع الجاري لا تُقرأ فقط كمحاولة لحصد مكسب سياسي داخلي، بل أيضًا كإشارة إلى أن البيت الأبيض يرى في استقرار غزة مدخلًا لإعادة ترميم صورة الردع الأمريكي في الشرق الأوسط، بعد سنوات من التردد والتراجع.
مما لا شك فيه أن الخطة في جوهرها، كما تُتداول في أوساط التفاوض، تسعى إلى هندسة واقع جديد يدمج بين متطلبات الأمن الإسرائيلي وشروط الإعمار والحوكمة، لكن دون أن تتضمن اعترافًا واضحًا بدولة فلسطينية أو دور مباشر للسلطة في إدارة القطاع.
في المقابل، تُبدي حماس تحفظات جوهرية على بنود تتعلق بنزع السلاح وآليات الرقابة الدولية، وتعتبرها مساسًا بجوهر هويتها كحركة مقاومة. أما نتنياهو، فيصر على أن تبقى مسؤولية نزع السلاح بيد إسرائيل وحدها، مستبعدًا أي وجود فلسطيني رسمي يمكن أن يُقيد حرية حركته الميدانية أو السياسية. ففي ضوء حقيقة أن كلًا من الطرفين يدرك أن البيئة الإقليمية قد تغيّرت، تبرز مؤشرات مفادها أن الحرب لم تعد قابلة للاستمرار سياسيًا أو اقتصاديًا، كما أن الضغط الشعبي والإنساني في غزة بات عبئًا يصعب تجاهله. لذا تمثل المفاوضات الراهنة محاولة واقعية لاستكشاف صيغة “توازن الضرورة”، حيث تتلاقى الرغبة في التهدئة مع الخشية من فقدان أوراق القوة.
في هذا السياق، تتزايد المؤشرات على استعادة مصر دور وساطتها التاريخية، لا سيما بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة، حيث عادت القاهرة لتتقدم كوسيط رئيسي يمتلك أدوات تأثير حقيقية على الأرض وعلى الأطراف كافة. فمن منظور استراتيجي، ترى مصر أن أي انفجار جديد في غزة يعني تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ومخاطر نزوح جماعي نحو حدودها، إضافة إلى خسارة فرصة لتعزيز موقعها كشريك موثوق لواشنطن والعواصم العربية في آنٍ معًا. لذلك، فإن استضافة المفاوضات في شرم الشيخ ليست مجرد إجراء لوجستي، بل تأكيد على أن القاهرة تسعى إلى صياغة معادلة تحفظ أمنها وتكرّس دورها كضامن إقليمي للتوازن.
ورُغم ما يوحي به المشهد من أجواء إيجابية، فإن جوهر الأزمة لا يزال قائمًا. فالتباين في تعريف كل طرف لمفهوم “النهاية” مختلف جذريًا: إسرائيل تراه نهاية للتهديد العسكري وضمانًا لبقائها متحررة من كابوس المقاومة، بينما ترى حماس أن أي تسوية لا تُنهي الحصار ولا تضمن حضورها السياسي هي مجرد هدنة مؤقتة. ومع غياب الثقة المتبادلة، تبدو فرص إنجاز اتفاق شامل رهينة قدرة الوسطاء على هندسة توازنات دقيقة تحفظ لكل طرف جزءًا من مكاسبه الرمزية.
في المحصلة، لا يمكن فصل مفاوضات شرم الشيخ عن السياق الأوسع الذي يشهد إعادة تشكل لموازين القوى في المنطقة. فواشنطن تسعى لإعادة تثبيت نفوذها، ومصر لاستعادة موقعها المركزي، بينما تختبر حماس وإسرائيل حدود القوة والمرونة في آنٍ واحد. وهكذا، فإن ما يجري ليس مجرد جولة تفاوضية جديدة، بل اختبار لإمكانية تحويل الحرب إلى معادلة سياسية قابلة للاستمرار، حيث تتقاطع حسابات الأمن مع ضرورات البقاء، وتتحول الخطة الأمريكية إلى مرآة تعكس حجم التحول في إدراك اللاعبين الإقليميين لجدوى القوة وحدودها.